أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة القادمة بعنوان : الزارع المجد ، للدكتور محمد حرز

خطبة الجمعة القادمة بعنوان : الزارع المجد ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 19 شوال 1443هـ، الموافق 20 مايو 2022م.

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 20 مايو 2022م بصيغة word بعنوان : الزارع المجد ، للدكتور محمد حرز.

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 20 مايو 2022م بصيغة pdf بعنوان : الزارع المجد ، للدكتور محمد حرز.

 

 

عناصر خطبة الجمعة القادمة 20 مايو 2022م بعنوان : الزارع المجد .

أولُا: الزراعةُ في الإسلامِ.

ثانيــــًا :  الزرعُ دليلٌ على وحدانيةِ اللهِ.

ثالثًا وأخيرًا: الزراعةُ سببٌ لتقدمِ الأممِ.

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 20 مايو 2022م  بعنوان : الزارع المجد  : كما يلي:

 

خطبةُ الجمعةِ القادمةِ: الزارعُ المجدُّ   د. محمد حرز تاريخ: 19 شوال 1443هــ 20 مايو 2022م

الحمدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ (الأنعام141)،وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وليُّ الصالحين، وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وصفيُّهُ من خلقهِ وخليلُهُ، القائلُ كما في الصحيحينِ البخارِي ومسلم مِن حديثِ  أَنَسٍ رضى اللهُ عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم : « مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا ، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا ، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ ، إِلاَّ كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ » ، فاللهم صلِّ وسلمْ على مسكِ الختامِ، وخيرِ مَن صلَّى وصام، ووقفَ بالمشعرِ وطافَ بالبيتِ الحرامِ، ، وعلى آلهِ وصحبهِ الأعلام، مصابيحِ الظلامِ، خيرِ هذه الأمةِ على الدوامِ، وعلى التابعينَ لهم بإحسانٍ والتزام.

أمَّا بعدُ: فأوصيكُم ونفسي أيُّها الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران :102).

أيُّها السادةُ:(( الزارعُ المجدُّ )) عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا

أولُا: الزراعةُ في الإسلامِ.

ثانيــــًا :  الزرعُ دليلٌ على وحدانيةِ اللهِ.

ثالثًا وأخيرًا: الزراعةُ سببٌ لتقدمِ الأممِ.

أيُّها السادةُ : بدايةً ما أحوجَنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلى أنْ يكونَ حديثُنَا عن الزارعِ المجدِّ  وخاصةً بعدمَا تحدثنَا في الجمعةِ الماضيةِ عن التاجرِ الأمينِ وعن الصانعِ المتقنِ  فنحن في حاجةٍ إلى الزارعِ المجدِّ فبدونِ الزراعةِ لا وجودَ لتجارةٍ ولا لصناعةٍ أليس كذلك ياسادة، وخاصةً ووزارتُنَا تهدفُ مِن وراءِ هذه الخطبِ إلى تشجيعِ التجارةِ والصناعةِ والزراعةِ كلُّ هذا مِن أجلِ المحافظةِ على وطنِنَا مصرَ الغاليةِ مِن أجلِ رفعتِهَا ونهضتِهَا وتقدمِهَا في جميعِ المجالاتِ التجاريةِ والصناعيةِ والزراعيةِ ، وخاصةً  ولا يخفَى على أحدٍ ما يمرُّ بهِ العالمُ اليومَ مِن ارتفاعٍ للأسعارِ أرهقَ الناسَ حتى في نومِهِم  ليكونَ هذا دافعًا للمحافظةِ على مصرِنَا وعلى عدمِ العبثِ بأمنِهَا واستقرارِهَا في زمنِ الأزماتِ الماليةِ والاقتصاديةِ الرهيبةِ التي يمرُّ بها العالمُ لنثبتَ للدنيا كلِّهَا أنَّ مصرَنَا الغاليةَ بفضلِ اللهِ أولًا ثم بفضلِ قيادتِهَا الحكيمةِ ورجالِهَا  المخلصين قادرةٌ على تحدِّي الصعابِ والوصولِ بها إلى برِّ الأمانِ ،  وخاصةً و الزراعةُ  سببٌ مِن أسبابِ تقدمِ الأممِ والشعوبِ.

العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : الزارع المجد

أولًا: الزراعةُ في الإسلامِ.

أيُّها السادةّ: إنًّ الاهتمامَ بالزراعةِ مظهرٌ حضاريٌّ مِن مظاهرِ الإسلامِ  يدلُّ على فهمِ المجتمعِ لسنةِ اللهِ في خلقهِ، ومدى صعودِهِ في سلمِ الحضارةِ الإنسانيةِ، والزراعةُ مهنةُ الأنبياءٍ والمرسلين: فآدمُ أبو البشَرِ – عليه السلامُ – كان فلاَّحًا يحرُثُ الأرضُ ويزْرَعُ بنفسِهِ، وتساعدهُ زوجتُهُ حواءُ في جميعِ الأعمالِ التي تتطلَّبُهَا مهنةُ الزراعةِ.

واللهُ جلَّ وعلا جعلَ حياةَ الناسِ على وجهِ الأرضِ مرتبطةً بالنباتاتِ أي بالزراعةِ ، فهي تتغذَّى مِن الأرضِ، والإنسانُ والحيوانُ يتغذيانِ مِن النباتِ، ثم يتغذَّى الإنسانُ مِن بعضِ الحيواناتِ، وليس باستطاعةِ الإنسانِ أنْ يتغذَّى مِن الأرضِ مباشرةً، وحيثُمَا عدمُ الغرسِ والشجرِ عُدمتْ الحياةُ.

لذا كان مِن رحمةِ اللهِ أنْ أنبتَ لنا الزرعَ والشجرَ لتكونَ هذه الأرضُ صالحةً لحياةِ البشرِ عليها، قال تعالى: ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ ) أي ترعَى أنعامُكُم ودوابُّكُم . ( يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) (النحل:10-11) بل جعلَ اللهُ في النباتِ جمالًا وتنوعًا لتطيبَ حياةُ الناسِ، قالِ تعالى: ( وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ . وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ . لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ . سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ ) يس/33-36.

والزراعةُ مهنةٌ مِن أجلِّ المهنِ، وحرفةٌ مِن أعظمِ الحرفِ ،وآيةٌ مِن آياتِ اللهِ، وسبيلٌ لترسيخِ الإيمانِ في القلوبِ، ودليلٌ على وحدانيةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، يقولُ اللهُ سبحانه: ﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ﴾الواقعة: 63، 64.

وتعددُ أنواعِ الزرعِ آيةٌ مِن آياتِ اللهِ: فهذا حَبٌّ، وهذا ثمرٌ، وهذا زهرٌ، وهذا عشبٌ، وهذه فاكهةٌ وهذه خضرٌ، وهذا معروشٌ، وهذا غيرُ معروشٍ قالَ ربُّنَا ﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ﴾عبس: 24 32.

واختلافُ ألوانِ الزرعِ وأشكالِهِ آيةٌ مِن آياتِ اللهِ: قالَ جلَّ وعلا ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾الأنعام: 99.

والزرعُ دليلٌ حيٌّ على زوالِ الدنيا: قالَ جلَّ وعلا ﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ  يونس: 24.

بل لعظمِ الزرعِ شبَّهَ اللهُ كلمةَ التوحيدِ بالزرعِ في ثباتهِ واختلاعهِ فضربَ اللُه عزًّ وجلَّ  المثلَ للكلمةِ الطيبةِ أو الخبيثةِ بالزرعِ لمكانتهِ وأهميتهِ ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ* تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ  [إبراهيم 24-26]،وضربَ اللهُ المثلَ للذين ينفقونَ أموالَهُم في سبيلِ اللهِ بالزرعِ لمكانتهِ وفضلهِ فقالَ جلَّ وعلَا ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ  البقرة 261بل ضربَ اللهُ دليلًا على عظمِ الجنةِ بالزرعِ كما في حديثِ أبي هريرةَ رضى اللهُ عنه قال قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم (( إنَّ في الجنَّة لَشجرةً يسيرُ الرَّاكبُ في ظِلِّها مِئةَ عامٍ ) قال أبو هُرَيْرَةَ : واقرَؤوا إنْ شِئْتُم : {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} [الواقعة: 30 صحيح ابن حبان

 بل شبَّهَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم المؤمنَ بالنخلةِ أي بالزرعِ للنفعِ في كلٍّ منهُمَا روى البخاري عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ مِنْ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ، فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ، “فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ فَاسْتَحْيَيْتُ، ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: هِيَ النَّخْلَةُ(

ولقد فهمَ الصحابةُ مغزىَ هذا التوجيهِ الكريمِ، وطبقوهُ في حياتِهِم العمليةِ بكلِّ إخلاصٍ طمعًا في ثوابِ اللهِ، وعمارةً للأرضِ، ورخاءً للإنسانيةِ، فقد غرسَ الصحابيُّ أبو الدرداء شجرةَ جوزٍ، وهو شيخٌ طاعنٌ في السنِّ، فسألُهُ احدُهُم : أتغرسُ هذه الجوزةَ وأنتَ شيخٌ كبيرٌ وهي لا تثمرُ إلّا بعدً كذَا وكذَا مِن السنين؟ فأجابَهُ أبو الدرداءُ : وماذا عليَّ أنْ يكونَ لي ثوابُهَا ولغيري ثمرتُهَا؟.….وكان شعارُهُم : غرسَ لنَا مَن قبلنَا فأكلنَا، ونحنُ نغرسُ ليأكلَ مَن بعدنَا.

لذا حثّنَا النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم على الزراعةِ والغرسِ فعن  أَنَسٍ رضى اللهُ عنه قَالَ صلَّى اللهّ عليه وسلم: ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلاَّ كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ ) متفق عليه.

وقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم: ( إنْ قامتِ الساعةُ و في يدِ أحدِكُم فسيلةً ، فإنْ استطاعَ أنْ لا تقومَ حتى يغرِسَها فليغرِسْها) رواه الإمام أحمد

بل أخبرَ رسولُ اللهِ -صلّى اللهُ عليه وسلّم- أصحابَهُ عن رجلٍ مِن أهلِ الجنةِ ويتنعمُ بنعيمِهَا يطلبُ مِن اللهِ تعالى أنْ يزرعَ في أرضِهَا، اللهُ أكبرُ  فيسألُهُ اللهُ تعالى أليسَ لديك جميعَ ما تحبُّ وتشتهِي من الطعامِ والشرابِ وأصنافِ النعيمِ، فلماذا تحتاجُ إلى الزرعِ، فيقولُ: إنّهُ يُحبُّ ذلك فيبذرَ البذورَ في أرضِ الجنةِ، عن أبي هريرةَ رضى اللهُ عنه قال: إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَوْمًا يُحَدِّثُ -وعِنْدَهُ رَجُلٌ مِن أهْلِ البَادِيَةِ-: أنَّ رَجُلًا مِن أهْلِ الجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ في الزَّرْعِ، فَقَالَ له: ألَسْتَ فِيما شِئْتَ؟ قَالَ: بَلَى، ولَكِنِّي أُحِبُّ أنْ أزْرَعَ، قَالَ: فَبَذَرَ، فَبَادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ واسْتِوَاؤُهُ واسْتِحْصَادُهُ، فَكانَ أمْثَالَ الجِبَالِ، فيَقولُ اللَّهُ: دُونَكَ يا ابْنَ آدَمَ؛ فإنَّه لا يُشْبِعُكَ شَيءٌ. فَقَالَ الأعْرَابِيُّ: واللَّهِ لا تَجِدُهُ إلَّا قُرَشِيًّا أوْ أنْصَارِيًّا؛ فإنَّهُمْ أصْحَابُ زَرْعٍ، وأَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا بأَصْحَابِ زَرْعٍ. فَضَحِكَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ) رواه البخاري

بل  الصدقاتُ الجاريةُ التي يبقَى أجرُهَا بعدَ الموتِ وكأنّ العبدَ ما زالَ مستمرًا في فعلِهَا الزراعةُ ياسادةٌ فعن أنسِ بنِ مالكٍ رضي اللهُ عنه قال : قال رسولُ اللهِ صلّى اللهّ عليه وسلّم: “سبعٌ يَجري للعبدِ أجرُهُنَّ، و هوَ في قَبرِهٍ بعدَ موتِهٍ: مَن علَّمَ علمًا، أو أجرَى نهرًا، أو حفَر بِئرًا، أو غرَسَ نخلًا، أو بنَى مسجِدًا، أو ورَّثَ مُصحفًا، أو ترَكَ ولدًا يستغفِرُ لهُ بعد موتِه)) رواه  البزار …….. كفى بالمزارعينَ شرفًا أنَّ اللهً عزِّ وجلَّ قد شبَّهَ بالزرعِ خيرَ البريةِ صلَّى اللهُ عليه وسلم وأصحابَهٌ، فقالَ عزَّ وجلّ:﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا  الفتح: 29. فالزراعةُ شرفٌ، الزراعةٌ عبادةٌ، الزراعةُ صدقةٌ، الزراعةٌ حياةٌ .

العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : الزارع المجد

ثانيـــًـا :  الزرعُ دليلٌ على وحدانيةِ اللهِ.

أيُّها السادةُ: الزرعُ آيةٌ مِن آياتِ اللهِ ودليلٌ على قدرةِ اللهِ وعظمةِ اللهِ وكيف لا؟ فالزرعُ يسبحُ اللهَ ويذكرُهُ قالَ جلًّ وعلا﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا  [الإسراء 44 وكيف لا؟.والزرعُ يُصلِّي ويسجدُ  للهِ قال عزَّ وجلَّ﴿ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ ﴾الرحمن 6 والزرعُ فيهِ زكاةٌ﴿ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ﴾الأنعام 141.

وكيف لا؟ والزرعُ شهدَ لنبيِّ الإسلامِ صلَّى اللهُ عليه وسلم بالنبوةِ والرسالةِ فهذا هو الجذعُ يئنُّ ويحنُّ لفراقِهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم فعن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي اللهُ عنه يَقُولُ: كَانَ الْمَسْجِدُ مَسْقُوفًا عَلَى جُذُوعٍ مِنْ نَخْلٍ فَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَطَبَ يَقُومُ إِلَى جِذْعٍ مِنْهَا فَلَمَّا صُنِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ وَكَانَ عَلَيْهِ فَسَمِعْنَا لِذَلِكَ الْجِذْعِ صَوْتًا كَصَوْتِ الْعِشَارِ حَتَّى جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا فَسَكَنَتْ)) وهذه شجرةٌ بنصِّ السنةِ النبويةِ تشهدُ لنبيِّ الإسلامِ بالصدقِ والرسالةِ  فعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، فَأَقْبَلَ أَعْرَابِيٌّ، فَلَمَّا دَنَا قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: إِلَى أَهْلِي، قَالَ: هَلْ لَكَ فِي خَيْرٍ؟ قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: تَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ: مَنْ شَاهِدٌ عَلَى مَا تَقُولُ؟ قَالَ: هَذِهِ الشَّجَرَةُ. فَدَعَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهِيَ بِشَاطِئِ الْوَادِي، فَأَقْبَلَتْ تَخُدُّ الأَرْضَ خَدًّا حَتَّى قَامَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَاسْتَشْهَدَهَا ثَلاثًا، فَشَهِدَتْ أَنَّهُ كَمَا قَالَ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى مَنْبَتِهَا))

وكيف لا؟ والزرعُ دليلٌ على قدرةِ اللهِ على البعثِ وإحياءِ الموتَى وردًّا على منكري البعثِ قال جلَّ وعلا (( فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )) الروم(50)

وكيف لا؟ والزرعُ دليلٌ على وحدانيةِ اللهِ، والزارعُ الحقيقيُّ هو اللهُ ﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ﴾الواقعة: 63، 64.قالَ جلَّ وعلا(( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ))فصلت(39) وللهِ درُّ القائلِ:

وفي كلِّ شيءٍ له آيةٌ *** تدلُّ على أنَّهُ الواحدُ

وسُئِلَ الشافعيُّ رحمه اللهُ ما الدليلُ على وجودِ اللهِ قال: ورقةُ التوتِ طعمُهَا واحدٌ، لكنْ إذا أكلَهَا دودُ القزِّ أخرجَهَا حريرًا، وإذا أكلَهَا النحلُ أخرجَهَا عسلًا، وإذا أكلَهَا الظبيُ أخرجَهَا مسكًا ذا رائحةٍ طيبةٍ.. فمَن الذي وحدَ الأصلَ وعددَ المخارجَ؟! !!!

وللهِ درُّ القائلِ

اُنظـــرْ لتــلـكَ الشجـــرةِ *** ذاتِ الغصـــونِ النضـرة

كيـف نمــتْ مِـن حـبــــةٍ *** وكيف صــارتْ شجـرة

فابحثْ وقُلْ مَـن ذا الـذي *** يخـرجُ منهــا الثمـــرة

ذاك هـــو اللــــهُ الـــــذي *** أنـعمُــهُ منـهـمـــــرة

ذو حكـمــــــةٍ بــالـغـــــةٍ *** وقـــــدرةٍ مـقـتـــــدرة

أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم

الخطبة الثانية الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلّا لهُ وبسمِ اللهِ ولا يُستعانُ إلّا بهٍ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ  …………………… وبعدُ

العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : الزارع المجد

ثالثًا وأخيرًا: الزراعةٌ سببٌ لتقدمِ الأممِ .

أيُّها السادةُ: اللهُ جلَّ وعلا كما مهدَ الأرضَ رسمَ طريقَ السعادةِ للبشرِ على وجهِهَا، فمَن أطاعُهُ سعدَ، ومَن عصاهُ شقيَ، قالَ ربُّنَا ( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى . وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) طه/123-124. وهكذا تكونُ السعادةُ بالاستفادةِ مِمّا خلقَ اللهُ في الأرضٍ، وبطاعتهِ عزَّ وجلًّ في التصرفِ على وجهٍ الأرض.ِ والزراعةُ سببٌ مِن أسبابِ تقدمٍ الأممِ والزراعةِ لمَن عملَ بها واجبٌ شرعيٌّ ومطلبٌ وطنيٌّ لرفعةِ مصرِنَا الغاليةِ الكلُّ مطالبٌ بهِ ومحاسبٌ عليهِ بينَ يدي اللهِ جلَّ وعلا فالمؤمنُ  يبنِي ولا يهدِم، ويزرعُ ولا يقطَع، ويسبحُ اللهَ بلسانِهِ، ويصغَي إلى تسبيحِ مخلوقاتِهِ، وبعكسِ هذا الكافرِ الجاحدِ، الذي قالَ اللهُ عنه: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ) البقرة/205.
• فلا تقصِّرْ في حقِّ زرعِكَ؛ لأنَّك إذا قمتَ بواجبِكَ نحوَهُ كنتَ مِن المقربينَ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ، ونصرتً بلادَكَ ومجتمعَكَ على أعدائِهِ، فلا توقعهُ في حرجِ مَدِّ اليدِ إليهم، واستيرادِ السلعِ منهم، يقولُ الشعروايُّ رحمه اللهٌ: إذا أردنَا أنْ تكونَ كلمتُنَا مِن رأسِنَا، فعلينَا أنْ تكونَ لقمتُنَا مِن فأسِنَا.

فكم مِن أممٍ تقدمتْ بسببِ إتقانِهَا للزراعةِ، وكم مِن أممٍ تأخرتْ بسببِ عدمِ الإتقانِ في الزراعةِ. والإنتاجُ الزراعيُّ بمختلفِ أنواعِهِ يعتبرُ إحدىَ ركائزِ النهضةِ الاقتصاديةِ في مصرِنَا الغاليةِ.

فالزراعةُ سببٌ لتقدمِ الأممِ والشعوبِ، والزراعةُ نعمةٌ تستحقُّ منَّا الشكر، ونهرُ النيلِ نعمةٌ تستوجبُ منا الشكر، وصدقَ ربُّنَا إذ يقولُ ﴿‌وَفَجَّرْنَا ‌فِيهَا ‌مِنَ ‌الْعُيُونِ (٣٤) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ ﴾يس ٣٥،وصدقَ ربُّنَا إذ يقولُ ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا ‌فَامْشُوا ‌فِي ‌مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ الملك : 15.

وتأملْ  قولَ القائلِ

تأملْ في رياضِ الكونِ وانظرْ *** إلى آثارِ ما صنعَ المليكُ

عيونٌ مِن لجينٍ شاخصاتٍ *** بأصدافٍ مِن الذهبِ السبيك

على قضبِ الزبرجدِ شاهداتٌ *** بأنَّ اللهَ ليسَ لهُ شريك

حفظَ اللهُ مصرَ مِن كيدِ الكائدين، وشرِّ الفاسدين وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.

                    كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه

د/ محمد حرز

 إمام بوزارة الأوقاف

 _______________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

 

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »